هذه قصة هديل (اسم مستعار) التي تمزّق نياط القلب، والتي تم رفض طلبها الإنساني بالخروج من غزة لكي تودّع شقيقتها المريضة التي تقطن في إسرائيل، بادعاء وجود “مانع أمني”. بعد أيام على الرفض، وفي إثر تدخل قضائي من قبل مؤسسة “چيشاه-مسلك”، تراجعت إسرائيل عن المنع العشوائي الذي فرضته عليها، لكن الوقت كان قد فات.

مطلع كانون الثاني قامت هديل، وهي فلسطينية من سكان غزة في العقد السادس من عمرها، بتقديم طلبًا لتلقي تصريح يمكنها من مغادرة القطاع لزيارة وداع لشقيقتها الطاعنة في السن التي تسكن في إسرائيل، وذلك بسبب التدهور القاسي في وضعها الصحي. بعد تقديم الطلب بيوم واحد، تلقت هديل ردًا قصيرًا ومقتضبًا من السلطات الإسرائيلية، كُتب فيه أن طلبها رُفض لدواعٍ أمنية.

مع تلقيها الرفض، توجهت هديل إلى “چيشاه-مسلك”، وبعثنا باسمها طلبًا مستعجلاً جدًا إلى السلطات الإسرائيلية. كتبنا في التوجه أن “هذا الرفض يترك انطباعًا بأن طلب موكلتنا لم يتم فحصه بالمرة، ولم يجر أي تشخيص أمني محدّث، ولم يتم الأخذ بالاعتبار لمجمل ظروف الطلب الإنساني المستعجل، مقابل تلك الدواعي الأمنية الغامضة”، وأكدنا أن “تنظيم خروج موكلتنا من قطاع غزة بشكل مستعجل حتى تتمكن من زيارة شقيقتها المريضة، وللمرة الأخيرة كما يبدو، يتطابق مع واجب دولة إسرائيل بتمكينها من ممارسة حق موكلتنا في حرية التنقل وفي الحياة الأسريّة”.

بعد أيام معدودة على إرسال التوجّه، وقبل تلقي أي رد من السلطات في إسرائيل، توفيت شقيقة هديل. السيدتان اللتان لم تلتقيا منذ وقت طويل بسبب التقييدات الجارفة التي تفرضها إسرائيل على حركة الفلسطينيين بين النهر والبحر – لم تحظيا حتى بلحظة وداع.

بعد وفاة الشقيقة توجهنا مرة أخرى إلى السلطات الإسرائيلية بطلب تمكين هديل من الدخول إلى إسرائيل للمشاركة في العزاء والحداد على شقيقتها. هذه المرة تمت المصادقة على الطلب، وازالت إسرائيل المنع الأمني العشوائي الذي فرض عليها قبل بضعة أيام فقط على ذلك، والذي منع الشقيقتين من الالتقاء معًا للمرة الأخيرة. إن ثمن العشوائية، التي تتجسد في العنف البيروقراطي الذي تمارسه إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين – دفعته هديل هذه المرة.

لشديد الأسف، قصة هديل ليست استثنائية أو خارجة عن المألوف. فمرة بعد أخرى، تفرض إسرائيل موانع أمنية على فلسطينيين يطلبون التنقل في الظروف الضيقة التي حددتها لهم لتقديم طلبات تلقي تصاريح. في الكثير من الحالات، في إثر التدخل القضائي لـ “چيشاه-مسلك” ومنظمات أخرى – تتم إزالة الموانع كأنها لم تكن.