**تم صياغة المداخلة والقاءها باللغة الإنجليزية، أدناه ترجمتها للغة العربية.

شكرًا لك السيّدة الرئيسة، شكرًا للمجلس،

صباح الخير، اسمي تانيا هاري، وأنا المديرة العامة لمؤسسة “چيشاه-مسلك” – المركز القانوني للدفاع عن حريّة التنقل. نحن مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية تعمل من أجل حرية الحركة والتنقل والحقوق الأخرى المرتبطة بها، بالأخص في غزة. چيشاه، باللغة العربية تعني مسلكًا وكذلك وجهة.

تأسست مؤسسة “چيشاه-مسلك” في العام 2005 كردٍّ على قيام إسرائيل بإخلاء مستوطناتها ومنشآتها العسكرية من قطاع غزة. لقد علمنا في ذلك الحين أنه على الرغم من القيام بهذه الاجراءات، إلا أن احتلال اسرائيل لغزة لم ينته. وبعد ثمانية عشر عامًا على ذلك، تواصل إسرائيل سيطرتها على غزة، ولا سيما على الحركة وإمكانيات الوصول، وكذلك السيطرة على سجلّ السكان الفلسطينيين وبالتالي تحديد المكان الذي يمكن للناس العيش فيه، السيطرة على امدادات الكهرباء في غزة، وعلى شبكات الاتصالات، وأيضًا على الحيّزين الجوي والبحري.

أنا أتواجد هنا اليوم بعد انقضاء أسبوع ونصف فقط على اتفاق وقف إطلاق نار، بعد تصعيد إضافي كانت قد شهدته المنطقة.

عادت تل أبيب والقدس إلى طبيعة حياتها، سار الدبلوماسيون قدمًا وباتوا يتعاملون مع أولويات أخرى. غزة أيضًا عادت إلى طبيعة حياتها، لكن بالنسبة لغزة، فإن جزءًا من الوضع الطبيعي هو طائرات إسرائيلية بدون طيار تحلق في سماء القطاع على مدار الساعة؛ دورة دمار وإعادة الإعمار، الحداد والصدمة.

ما بين جولات القتال، حين تخرج غزة من دائرة العناوين ويقل عدد المهتمين بها، تستمر حرب التقييدات الدائمة على حرية الحركة.

لقد دأب أعضاء هذا المجلس دومًا على الدعوة إلى رفع القيود المفروضة على الحركة. هذا النداء مهم ويجب أن يستمر. ولكن كيف تبدو على الأرض هذه القيود المفروضة بمنهجية على الحركة؟ ماذا يعني الإغلاق على نحو فعليّ؟

الإغلاق يعني أنه قد تضطر للانتظار أسابيع وحتى شهورًا من اجل الحصول على تصريح يتيح لك الوصول إلى تلقي علاج طبي منقذ للحياة في القدس. ففي عام 2022، تم تأخير أو رفض ثلث طلبات التصاريح التي تقدّم بها المرضى و62% من طلبات التصاريح التي قدمها مرافقو المرضى. خلال نفس العام، ربع المرضى الذين تلقوا تصاريح خرجوا من القطاع بدون مرافق، بمن فيهم مئات الأطفال اللذين خروا من دون أهلهم.

الإغلاق يعني أنه إذا كانت والدتك المقيمة في الضفة الغربية مريضة، فعليك أن تثبت للجيش الإسرائيلي أنها تواجه خطر الموت لكي تأمل في الحصول على تصريح لرؤيتها. وسيكون تصريحك هذا ساري المفعول لمدة 3-5 أيام على الأكثر.

معناه أنه إذا كنت تريد إقامة شركة، فعلى الأغلب أن جميع المعدات والآلات والمواد الخام التي تحتاجها لشركتك تعتبرها إسرائيل سلعًا ذات “استخدام مزدوج”. قد يستغرق دخول هذه المواد والمعدّات شهورًا، بل حتى سنوات وأحيانًا من المستحيل الحصول على المواد اللازمة.

من خلال هذه الأساليب ومئات الأساليب المشابهة، تواصل القرارات الصادرة عن إسرائيل التأثير بعمق على كل واحد من جوانب الحياة في غزة. ومثل هذا المستوى من السيطرة تترتّب عليه مسؤولية.

الحملة العسكرية الواسعة الأخيرة كانت السادسة خلال السنوات الـ15 الماضية. وبالإضافة إليها، كانت هناك مئات الحملات العسكرية الصغيرة. وصف وزير الأمن السابق لدينا هذه العملية على أنها “جز للعشب”، ويطلق مسؤولون إسرائيليون عبارات مثل “ليس لدينا خيار سوى إدارة الوضع” لأنه “لا يوجد حل”. قيادة حقيقة تعمل بلا كلل من أجل خلق الأمل بدلًا من الانصياع إلى واقع احتلال دائم، هجمات عسكرية متواصلة، إطلاق قذائف من غزة وأهوال أخرى.

كما في الجولات السابقة، يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم يحمون مواطنين إسرائيليين من إطلاق الصواريخ. أنا واحدة من هؤلاء المواطنين، ولا أتمنى لأحد أن يعيش واقع إطلاق الصواريخ. لكن السؤال هو كيف يمكننا كسر هذه الدائرة؟

يعيش اليوم في قطاع غزة 2.2 مليون إنسان. نصفهم من الأطفال و 70% منهم دون سن 30. الشباب في غزة اليوم لا يعرف واقعًا آخر. نسبة البطالة في القطاع بلغت 46%، ووصلت إلى 68% بين الشباب.

يعاني حوالي 80% من الأطفال في غزة من “ضغوط نفسية” وفقًا لدراسة حديثة أجرتها منظمة Save the Children. جميع أطفال غزة وذويهم يعرفون أسماء الأطفال الذين ماتوا في جولة القتال الأخيرة، فالجروح غير المرئية – الصدمة واليأس – هي الأصعب التآمًا.

فكيف يمكن أن يساهم مثل هذا الوضع في تحقيق الأمن؟ فالأمن المستدام والحقيقي والردع لا يتحققان بالقوة، بل يتحققان بالأمل.

الإغلاق الذي تفرضه إسرائيل هو جزء مما تطلق عليه اسم “سياسة الفصل”، تتمثل هذه السياسة بمنع جميع أشكال التنقّل تقريبًا بين غزة وإسرائيل والضفة الغربية، فيما عدا بعض الظروف الاستثنائية. تواجه إسرائيل تحديات أمنية واقعيّة، لكن التقييدات على الحركة التي تفرضها إسرائيل ليست لتلبية الاحتياجات الأمنية لوحدها، بل لها أهداف سياسية – للضغط على المدنيين وتعزيز السيطرة في الضفة الغربية، كما خدمة تفسير اسرائيل الضيق حول التزاماتها نحو الفلسطينيين والذي يخلق أزمة قابليّة المساءلة.

فبناء المستوطنات وسياسة الفصل هما وجهان لعملة واحدة – الدفع نفسه باتجاه ضم الضفة الغربية. إن عزل غزة، أو إنشاء بانتوستان غزة، كما صاغها زملاؤنا في مركز الميزان لحقوق الإنسان، يجزئ المجتمع الفلسطيني ويعزز الانقسام السياسي الفلسطيني.

أصبح التنقل عبر مصر ممكنًا أكثر مما كان عليه في السنوات السابقة، لكن مصر لا تربط غزة بالضفة الغربية وإسرائيل. يبدو الأمر مثلما لو تم عزل مدينة نيويورك على امتداد عقود عن بقية الولاية والولايات المحيطة بها.

أيضًا تم إتاحة تنقّل أكثر عبر معبر إيرز، المعبر لحركة الأشخاص بين غزة وإسرائيل، ولكن لشريحة واحدة فقط: عمال المياومة الفلسطينيين. هناك أكثر من 140,000 طلب قدمها سكان من غزة قبل إغلاق التسجيل، مقابل حصة تشمل 20,000 تصريح. فالحصة المتوفرة لا تلبّي أكثر من 1% من الطلب لهذه التصاريح في قطاع غزة. هذه النسبة (1%) لا تشمل النساء في غزة وهكذا فإن احتياجاتهن للتنقل لأغراض مهنيّة ما زالت غير معترف بها. إن الأجندات التي تضع في أولوياتها النساء والسلام والأمن، يجب أن تأخذ في الاعتبار مدى تأثير الإغلاق على احتياجات النساء العينيّة.

تمثل “چيشاه-مسلك” رأي الأقلية في إسرائيل، لكننا جزء من مجتمع مدني نابض بالحياة في إسرائيل وفلسطين الذي تتزايد المعاداة ضده.

يتعرض حلفاؤنا للإسكات بواسطة اتهامات كاذبة مفادها معاداة السامية، هذا يضعف المعركة الضرورية ضد أشكال حقيقية وخطيرة من معاداة السامية المتنامية في جميع أنحاء العالم.

انها فترة حرجة تتطلب قيادتكم وشجاعتكم في الوقت الذي يتعزز التطرف في منطقتنا نتيجة للتحريض، والقمع، والفقر.

ما يعطيني الأمل هو العديد من الشباب والشابات في غزة الذين يواصلون الحلم بمستقبل أفضل ويعمون أنهن يستحقونه، على الرغم من كل القادة الذين يخذلونهم. يدرك الناس في جميع أنحاء العالم أيضًا أنه لا يمكن قمع النضال من أجل الحرية والكرامة إلى الأبد حتى مع تشييد أعلى الجدران أو استخدام أقوى الجيوش.

أود أن أنهي مع بعض التوصيات:

أولًا، دعوا آمال شباب وشابات غزة ترشدكم وأنتم تفكرون في لإجراءات الجريئة التي قد تتبناها حكوماتكم. فلا يوجد أي سبب للامتناع عن تسهيل الحركة والتنقل حتى يتسنى للنساء والشباب تحقيق أحلامهم.

ثانيًا، ساهموا في حماية حيّز العمل الإنساني وحقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين. فإن حماية المجتمع المدني بالغة الأهمية في واقع يتزايد فيه التطرف.

التوصية الثالثة، استعيدوا وتذكروا أزمة انعدام المساءلة. فالفلسطينيون يُعاقَبون بشكل روتيني على أفعال خارجة عن سيطرتهم. للمجتمع الدولي دور مهم بشكل خاص لإنهاء الإغلاق، فهو أحد أكثر أشكال الظلم إلحاحًا وفتكًا وتجسيدًا للعقاب الجماعي.

رابعًا، رجاءً لا تدعوا هجومًا عسكريًا آخر يضع غزة وفلسطين على الأجندات مرة أخرى، بل تعاملوا مع الوضع في غزة وفلسطين لأن هذا هو الأمر الذي يصحّ القيام به.

شكرًا لكم.

 

اضغطوا هنا لمشاهدة الكلمة الكاملة