اقرأوا التقرير الكامل »
اقرأوا ملخص التقرير »
شاهدوا “يوميات غزة” – من في الواقع يسيطر على القطاع؟ »

موجز

يشكل قطاع غزة في السنوات الأخيرة محور نقاش قانوني له إسقاطاته المتزايدة على الواقع السياسي في المنطقة، وعلى حياة الفلسطينيين والإسرائيليين أيضا، وفي صلب النقاش، مسألة المكانة القانونية لغزة بعد أن سحبت إسرائيل منها كل قواعدها العسكرية الدائمة والمستوطنات في أيلول 2005. موقف إسرائيل الرسمي يقضي بأن احتلال القطاع الذي بدأ في العام 1967 قد انتهى، وانتهى معه سريان قوانين الاحتلال بخصوص قطاع غزة. وفق هذا الموقف فإن مسؤوليات إسرائيل تجاه سكان القطاع تنبع فقط من قوانين الحرب التي تظلّ قائمة طالما هناك حالة من المواجهة العنفية بين جيشها وبين منظمات مسلحة من الجهة الأخرى للسياج.

نشرت جمعية “جيشاة ـ مسلك” في العام 2007 مذكرة موقف “محتلون منفصمون”، ادعت فيها أن قوانين الاحتلال لا تزال سارية على كل ممارسات إسرائيل في قطاع غزة، وذلك بسبب الحجم الكبير للسيطرة التي كانت اسرائيل تُعملها على القطاع.

“مؤشر السيطرة” – مذكرة موقف جديدة معدّة لتحديث التحليل القانوني هذا وملاءمته للمتغيرات التي طرأت على الواقع وعلى أنماط السيطرة للجهات المختلفة على قطاع غزة منذ 2007، لأسباب عدة منها نتائج سيطرة حركة حماس على السلطة الداخلية في غزة.

تُجسّد هذه الوثيقة كيف تواصل إسرائيل، وبعد تطورات السنوات الأخيرة، السيطرة على المجال الجوي والمياه الإقليمية لقطاع غزة، وعلى إدارة سجل السكان الفلسطيني وعلى حركة الأشخاص والبضائع إلى غزة ومنها. كما تواصل إسرائيل الحفاظ على تواجد فعلي ما في أراضي القطاع، وجباية الجمارك وضريبة القيمة المضافة على البضائع التي تدخل الى قطاع غزة، والسيطرة ايضًا على البنى التحتية للقطاع من خلال تبعية هذه البنى لإسرائيل والتزود منها.

هل معنى الأمر أن غزة لا تزال محتلة من قبل إسرائيل؟ سنتطرق في مذكرة الموقف إلى مسألة “انتهاء الاحتلال” في غزة وفي الضفة الغربية كسيرورة متواصلة على محور زمني طويل; نحن موجودون، اليوم، على موقع ما على المحور الممتد بين الاحتلال وانتهائه، أي في وضع تنازلت فيه إسرائيل عن صلاحيات سلطوية معينة في قطاع غزة والضفة الغربية، وتسمح فيه للسلطات الفلسطينية بإعمالها، لكنها تواصل تفعيل صلاحيات سلطوية أخرى ولا تسمح لآخرين بتفعيلها. لهذا السبب لا يُمكننا أن نجزم أن الاحتلال لقطاع غزة قد انتهى، وعليه، فإن قوانين الاحتلال المستندة إلى القانون الدولي لا تزال سارية على إسرائيل في المجالات التي تواصل فيها إعمال السيطرة على حياة السكان الفلسطينيين. في المجالات التي نقلت فيها إسرائيل الصلاحيات أو تنازلت عنها وتتيح لجهات أخرى إعمالها ـ فإن مسؤوليتها تجاه السكان المدنيين في تلك المجالات انحسرت أو اختفت تماما.

إضافة إلى ذلك، على مدار المرحلة الانتقالية، تواصل إسرائيل تحمل مسؤوليات في مجالات تنازلت فيها عن سيطرتها، إلى أن يستطيع ممثلو الشعب الفلسطيني إعمال سيادتهم بصورة مستقلة. هذا، بموجب مذهب “ما بعد الاحتلال”، الذي يقضي بوجوب الدفاع عن السكان المدنيين خلال فترة الانتقال من الاحتلال وحتى تحقيق السيادة الشرعية. كذلك، تواصل إسرائيل تحمل واجباتها بحكم قوانين حقوق الإنسان، في كل مجال يتواصل من خلاله تأثير ممارسات ممثليها أو سلطاتها الرسميين بشكل ملموس ومباشر على سكان غزة.

وعلى الرغم من أن السلطات الفلسطينية، ليست جهات دولانية (والاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدّ ذاته، لن يحوّلها إلى جهات كهذه) تتحمل مسؤوليات في المجالات التي تسيطر عليها، بحكم قوانين حقوق الإنسان وقوانين الحرب.

تفسّر إسرائيل اليوم مسؤولياتها تجاه سكان قطاع غزة (وبمدى أقلّ تجاه سكان الضفة الغربية) على أنها محدودة لالتزامات “الحد الادنى”، والمشتقة من الإطار القانوني لقوانين الحرب. وهي تتيح في هذا السياق تنقل الاشخاص فقط “في حالات إنسانية استثنائية”، وقد حصرت في فترات مختلفة مرور البضائع الى تلك “الحيوية لبقاء السكان المدنيين”. بالمقابل، فإن موقف جمعية “جيشاة ـ مسلك”، هو أن إسرائيل مسؤولة بحكم قوانين الاحتلال وما بعد الاحتلال، عن إتاحة تنقل الأشخاص والبضائع وفقًا للاحتياجات الضرورية لحياة سوية، وتقييدها فقط في حال وجود ضرورة أمنية عينية، ومن خلال إقامة توازن بين الضرورة الامنية وبين احتياجات سكان غزة وحقوقهم.

على إسرائيل أن تقوم بواجباتها بحكم القانون الدولي، كأن تتيح تنقلا حرا للناس والبضائع من قطاع غزة وإليه، من خلال إخضاع ذلك لتفتيشات أمنية عينية وأنظمة تنقّل تستجيب لاحتياجات إسرائيل الأمنية وتطبّق واجباتها- وهي الاهتمام والمساعدة على ضمان الحياة السوية المنتظمة داخل قطاع غزة. لأن التطوير الاقتصادي والاجتماعي، ولمّ الشمل، ومنالية التعليم وإمكانية تلقي العلاج الطبي المناسب، كلها مشروطة إلى حدّ كبير بإمكانية التنقّل ونقل البضائع، وعلى إسرائيل أن تضمن مستوى ما من حرية التنقل المطلوبة ليس فقط لبقاء السكان وإنما للازدهار والتطور وإحقاق حقوق الإنسان.

على الرغم من كون التحليل الذي نعرضه في هذه المذكرة متمحورا في قطاع غزة، فإنه يساعد على فهم واجبات إسرائيل نحو سكان المناطق الفلسطينية برمتها، خاصة في ضوء التغيرات المحتملة في مركبات السيطرة التي من الممكن ان تطرأ مستقبلا، ومن ضمن ذلك، النتائج المترتبة عن الاعتراف الدولي المحتمل بدولة فلسطينية. كان الأمر بشأن دولة أو أي كيان آخر ـ فإن السيطرة تولّد المسؤولية، أما حجم المسؤولية ونوعيتها فيكونان بحجم السيطرة ونوعيتها.

مؤشّر السيطرة – مسؤولية إسرائيل المتواصلة على قطاع غزة by gisha_access