مقدمة

”نظام إصدار تصاريح لسكان يهودا والسامرة المتواجدين في قطاع غزة“ (فيما يلي ”النظام“) ينص، من بين أمور أخرى، على أن الفلسطينيين والفلسطينيات المقيمين في قطاع غزة وهم مسجلون في سجل السكان الفلسطيني كسكان الضفة الغربية، يمكنهم تقديم طلب تصريح خروج من غزة فقط إذا ما وقعوا على وثيقة تسمى ”تصريح بشأن الاستقرار“ ومعناه أن في نيّتهم “الاستقرار” في قطاع غزة بشكل دائم. بحسب إسرائيل، التوقيع على هذه الوثيقة هي موافقة على ”التنازل“ عن حقهم في العودة للسكن في الضفة الغربية مستقبلًا.

تحظر إسرائيل لم شمل عائلات فلسطينيين مسجلين كسكان قطاع غزة في الضفة الغربية وفي نطاقها (إسرائيل)، وبالتالي تبقي للأزواج الذين أحدهما مسجّل كمقيم في غزة والثاني كمقيم في الضفة إمكانية واحدة فقط لممارسة حياة مشتركة: الإقامة في قطاع غزة. بما أن النساء، هن من ينتقلن، في حالات كثيرة، للسكن قرب عائلات أزواجهن بعد الزواج، فهن أيضا المتضررات الأساسيات من هذا النظام، ومن نظام التصاريح الاسرائيلي الذي يمنع زيارات عائلية في الضفة الغربية فيما عدا ضمن ظروف نادرة ومتطرفة*. عمليًا، تفرض السياسة الإسرائيلية على النساء الفلسطينيات المتزوجات من سكان غزة واللواتي يعشن في غزة أو يرغبن بالانتقال اليها، التنازل عن حقهن المحمي بالعودة إلى الضفة، وبهذا تمس بحقوقهن في حرية الحركة، الحياة الأسرية، الصحة، الاستقلالية والكرامة.

المحامية هبة الدنف من جمعية ”عائشة – مركز حماية المرأة والطفل“ في غزة التي تمثل النساء اللواتي تُنتهك حقوقهن بموجب السياسة الإسرائيلية، لخّصت التداعيات العنيفة للنظام الإسرائيلي وشددت أن ”هذا الإجراء هو إبعاد قسري، ولا يمس بالحق في التنقل فحسب، بل له عواقب اجتماعية ونفسية بعيدة المدى“. الشكل الذي تستخدم فيه إسرائيل هذا النظام كمبرر لحظر عودة فلسطينيين أو فلسطينيات للسكن في الضفة الغربية، حتى لو كانوا مسجلين كسكان الضفة في سجل السكان الفلسطيني، يشكّل عمليا ترحيلاً قسريًا وانتهاكا خطيرًا للقانون الدولي بما يرقى إلى جريمة حرب.

 

* لهذا السبب، صيغت هذه الوثيقة بلغة المؤنث، وهذا مع أن الممارسات الواردة فيها تحمل إسقاطات أيضا على رجال فلسطينيين سكان الضفة الغربية ممن يقيمون، أو يرغبون بالانتقال للسكن في قطاع غزة.

حركة في اتجاه واحد

 

تصريح استقرار في غزة: رحلة في اتجاه واحد

تسيطر إسرائيل حتى اليوم عمليًا على سجل السكان الفلسطيني، وهي سيطرة تمنحها تأثيرًا هائلًا على حياة الفلسطينيات، وقبل كل شيء من خلال تحديد مكانتهن عن طريق نظام الحركة الذي تديره: فهي الجهة التي تحدد ما إذا كان الفلسطينيون المسجلون في السجل مسجلين كـ”سكان غزة” أو ”سكان الضفة الغربية“، وهذا التحديد يملي أين يمكنهن السكن والعمل وإقامة حياة أسرية.

على امتداد عقود من الزمن وعلى نحوٍ أكبر منذ تشديد الإغلاق على القطاع، تمنع إسرائيل وتقيد حركة الفلسطينيين والفلسطينيات بين غزة وإسرائيل والضفة الغربية بهدف تكريس سيطرتها على المنطقة – وسكانها – تحت احتلالها ولدفع وتعزيز أهداف ديمغرافية وسياسية ساقطة: عزل قطاع غزة وضم فعلي في الضفة. لقد أشرنا في منشورات سابقة إلى أن هذه السياسة التي تسميها إسرائيل ”سياسة الفصل“ تخدم إسرائيل في الهندسة الديمغرافية (بالانچليزية).

تنعكس من نظام التصاريح الإسرائيلي الذي يقوم على سياسة الفصل نزعة واضحة: الانتقال الدائم من الضفة الغربية إلى غزة مسموح على الأغلب، في حين أن حركة الفلسطينيين من غزة إلى الضفة الغربية محظورة تمامًا تقريبًا. يستطيع الفلسطينيون في قطاع غزة تقديم طلبات خروج قصيرة المدّة فقط إذا استوفوا المعايير الضيّقة ”والاستثنائية والإنسانية“ التي تحددها إسرائيل للتنقل بين قطاع غزة والضفة الغربية وإسرائيل. على سبيل المثال، يُسمح لقلائل جدًا فعليًا بتقديم طلب يمكّنهم من زيارة أقرباء في منطقة أخرى، وذلك كون الزيارة مشروطة أن يكون القريب من الدرجة الأولى وفي حالة زواج، مرض يهدد الحياة أو جنازة.

يملي النظام المذكور بأن النساء سكان الضفة اللواتي يقمن في غزة لا يمكنهن زيارة الضفة، حتى في المعايير الضيّقة المشار إليها أعلاه، طالما لم يوقعن على وثيقة يصرّحن فيها بأنهن استقروا في غزة، أي نقلوا اليها مركز حياتهن بشكل دائم. بكلمات أخرى: من تعيش في غزة، أو ترغب في الانتقال إليها، وتريد زيارة الضفة الغربية أو اسرائيل تحت المعايير التي تحددها إسرائيل للخروج من غزة لغرض العلاج الطبي أو دورة مهنية أو كل سبب آخر مذكور في نظام التصاريح الاسرائيلي، تجد نفسها مضطرة إلى ”التنازل“ (بالانچليزية) عن حقها بالعودة للسكن في الضفة مستقبلًا حتى تقبل إسرائيل فحص طلبها. أما من تختار عدم التوقيع على وثيقة ”تصريح بشأن الاستقرار“ فتتنازل عمليًا عن إمكانية الخروج من غزة من خلال معبر إيرز لأي هدف كان.

وفقًا لموقف إسرائيل، التوقيع على الوثيقة يشكل تنازلًا رسميًا عن مكانة المُقيم في الضفة. في حالات كثيرة وصلت إلينا لمعالجتها، عرضت اسرائيل التوقيع على وثقة ”تصريح بشأن الاستقرار“ كمبرر لمنع فلسطينيات من العودة إلى الضفة بشكل ثابت مع العلم أنهن أُجبرن من قبل السلطات الإسرائيلية على التوقيع على الوثيقة.

توجهنا (بالعبرية) في كانون الأول 2020 إلى منسق أعمال الحكومة، بالاشتراك مع مركز هموكيد للدفاع عن الفرد وطالبنا إلغاء أمر محدّث للنظام المذكور أعلاه الذي نشر في تشرين الثاني 2020. وقد أكدنا في الرسالة على أن هذا النظام يكرّس تقييدات وحشية تمس بإصدار تصاريح لأغراض إنسانية ويعمق المساس بحقوق السكان المحميين نساءً ورجالاً في الضفة الغربية والذين يعيشون في قطاع غزة، وهم، كما ذكرنا، بغالبيتهم نساء. خلافًا لأوامر سابقة (بالعبرية) لهذا النظام، ففي الأمر الذي نشر في تشرين الثاني 2020 لا يظهر التزام من جهة السلطات في إسرائيل بفحص طلبات العودة إلى الضفة، كلّ طلب بحد ذاته، والتي تقدمها فلسطينيات قمن “بالاستقرار” في غزة. بالإضافة إلى ذلك، من خلال النظام الحالي يُطلب مِن مَن توقّع على الوثيقة أن “تصرّح” أيضًا على استقرار أطفالها في قطاع غزة وليس فقط على استقرارها هي في القطاع. ففي حال كان الأطفال مسجلون كسكان الضفة الغربية في سجل السكان الفلسطيني، فإن التوقيع على الوثيقة هو بمثابة ”تنازل“ أيضًا عن إمكانيتهم للعودة للسكن في الضفة الغربية بشكل دائم.

امرأة تنتظر في معبر إيرز، غزة
معبر أيرز، 2019. تصوير أسماء الخالدي

عمليًا، تحت هذا النظام المحدّث، فإن الفلسطينيات اللواتي وقّعن على ”تصريح بشأن الاستقرار“ في غزة يُعتبرن بنظر إسرائيل من سكان القطاع (حتى لو لم تقم إسرائيل بتغيير عنوانهن في سجل السكان الفلسطيني وأبقت تسجيلهن كسكان الضفة الغربية). لهذا، بحسب إسرائيل، فإذا طلبن العودة إلى الضفة سيكُنّ مضطرات لاستيفاء معايير استقرار سكان غزة في الضفة الغربية، وهي معايير ضيقة (بالعبرية) تمت صياغتها لغرض ضمان ألاّ تسري على أي شخص (للمزيد من المعلومات حول تطبيق النظام ومنع سكان غزة فعليًا من الانتقال الى الضفة الغربية، انظروا هنا، هنا وهنا). في الرد (بالعبرية) على توجهنا الذي أرسل لنا في كانون الثاني 2021، أصر منسق أعمال الحكومة على سريان مفعول النظام الذي نشره ورفض الغاءه.

بما أنه بموجب موقف إسرائيل، مَن وقّعت على ”تصريح بشأن الاستقرار“ ليس مسموحًا لها العودة للإقامة في الضفة الغربية، فكان من الممكن توقع أن هذا الحظر سيُنص على نحو واضح وصريح في الوثيقة نفسها. ولكن خلافًا للمتوقع، فإن الأمر المحدّث لهذا النظام، من شهر تشرين الثاني 2020، وصيغة وثيقة ”تصريح بشأن الاستقرار“ الموجودة فيه (انظروا الوثيقة أدناه)، تمت صياغتها بشكل مبهم لا يمكّن من فهم الإسقاطات الواسعة الناجمة عن التوقيع على الوثيقة. مع أن الوثيقة تقول أن من وقع عليها يمكنه تقديم طلب للعودة إلى الضفة وأنه يتم فحص الطلب بحسب النظام الإسرائيلي (بالعبرية)المتعلق ”باستقرار“ سكان غزة في الضفة، لا يمكن الاستنتاج أن امكانية الموافقة على هذا الطلب معدومة تقريبًا. ويجدر التشديد هنا أنه حتى لو كان مضمون الوثيقة وإسقاطاتها المستقبلية واضحة لمن يوقعون عليها، فلا يمكن جعل أي انسان يتنازل عن الحقوق الممنوحة له بحكم القانون الدولي، ومنها الحق المحمي للنساء سكان الضفة الغربية بالعودة إلى الضفة.

منذ إقامة جمعية ”چيشاه – مسلك“، قمنا بتمثيل (بالانچليزية) نساء فلسطينيات (بالانچليزية) كثيرات مسجلات كسكان الضفة ويعشن في غزة مع أزواجهن واطفالهن المشتركين، وقدمن طلبات لزيارة الضفة الغربية أو العودة للسكن فيها. من تجربتنا نرى أن الحالات التي تم فيها جعل النساء يوقعن على وثيقة الاستقرار في غزة مع دخولهن إلى القطاع، تُستخدم من قبل إسرائيل لتبرير قرارها بمنعهن من العودة للسكن في الضفة الغربية. وفي حالات أخرى التي لم توقع فيها نساء على هذه الوثيقة، قامت إسرائيل باستغلال (بالإنچليزية) حاجتهن الأساسية لزيارة الضفة (في إطار الظروف الانسانية التي تحددها بنفسها لتلقي التصريح) من أجل اجبراهن على التوقيع عليها.

تضطر النساء في حالات كثيرة للتوقيع على الوثيقة تحت الضغط والتخويف حيث يُعرض توقيعهن كشرط للعبور – سواء كشرط لزيارة عائلاتهن في الضفة أو كشرط للعودة إلى بيتهن وعائلتهن في غزة. في حالات مختلفة (بالانچليزية) وصلت إلينا لمعالجتها بشأن نساء أجبرن على التوقيع وقمنا بتقديم طلب للعودة للسكن في الضفة الغربية، رفضت اسرائيل السماح بذلك وحاولت تبرير منع انتقالهن إلى الضفة بتسويغ أن عودتهن تمس بـ”سياسة الفصل“. بحسب القانون الدولي هذه ممارسة محظورة للترحيل قسرًا. في السنوات الاخيرة كانت هناك حالات قليلة تم فيها، على إثر نضال قضائي متواصل وتدخل من قبل المحاكم، إلزام إسرائيل بالموافقة على عودة نساء للضفة الغربية مع أنهن أجبرن على التوقيع على وثيقة الاستقرار.

يدّعي منسق أعمال الحكومة أنه لا يجمع معلومات تتعلق بمدى استخدام هذه الممارسة الباطلة. ففي ردًا (بالعبرية) على طلب حرية المعلومات (بالعبرية) الذي قدمناه خلال العام 2019 وطرحنا فيه أسئلة حول عدد الأشخاص من الضفة الغربية الذين طلبوا الانتقال للسكن في غزة، زعم منسق أعمال الحكومة بأنه لا يملك ”معلومات حول سكان يهودا والسامرة الذين طلبوا الاستقرار في قطاع غزة“، ولهذا لا يمكنه ارسال معلومات حول هذا الموضوع.

حركة في اتجاه واحد

يؤسس النظام الترحيل القسري لسكان محميين، التي تعرف على انها جريمة حرب

وفقًا للقانون الدولي، من حق الساكن المحمي العودة إلى بيته وهناك حظر واضح لفرض تنازل عن هذا الحق. ينص البند 47 من معاهدة جنيف بشكل واضح على أنه يُحظر بأي شكل إلغاء الحقوق والفوائد من السكان المحميين المعطاة لهم بحكم هذه المعاهدة، وذلك انطلاقا من الإدراك أنه سيكون على الدوام انعدام للمساواة في القوة ما بين القوة المحتلة وما بين سلطات المنطقة التي تحتلها.

نظام إصدار التصاريح لسكان يهودا والسامرة المتواجدين في قطاع الغزة“ يسلب الفلسطينيين والفلسطينيات حقهم بالعودة إلى بيتهم في الضفة الغربية مستقبلاً بسبب التوقيع على الوثيقة أو فرض اشتراطات ساقطة، من خلال استغلال الحاجة للتنقل في ظروف إنسانية. البند 49 من معاهدة جنيف الرابعة يحظر الترحيل القسري وطرد السكان خلافًا لإرادتهم:

”يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه“.

صدرت في قرارات وأحكام المحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغوسلافيا سابقًا، على نحو منهجي، تفسيرات واسعة للمصطلحات ”ترحيل قسري“ و”طرد“، التي تضم حظر ترحيل الشخص ضد ارادته، سواء من خلال ممارسة الضغط المباشر أو غير المباشر، العلني أو المبطّن أو حتى من خلال استغلال القوة السلطوية. يجب أيضًا القيام بفحص حذر للموافقة من خلال التطرق للواقع الكامل الذي أعطيت فيه ”الموافقة“ مع الأخذ بعين الاعتبار مدى حصانة الشخص. في هذا الموضوع، تم الاقرار بأن الترحيل يعتبر قسريًا، حتى لو لم يتم استخدام قوة جسدية مباشرة لغرض التسبب برحيل سكان من المنطقة المحتلة. يكفي أن تكون القوة المحتلة قد خلقت على نحوٍ غير مباشر ظروفا جعلت السكان المحميين يغادرون، حتى يعتبر الامر ترحيلاً قسريًا محظورًا.

لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان تطرّقت إلى عدد من الاجراءات التي تستخدمها إسرائيل في إطار سياستها وأقرّت أنها تنتج بيئة تفرض (”Coercive Environment“) ترحيلاً محظورًا لفلسطينيين. من بين هذه الإجراءات سلب مكانة الإقامة من فلسطينيين عنوانهم مسجل في الضفة، وممارسة الضغط على فلسطينيين وفلسطينيات من أجل ”التنازل“ عن هذه المكانة.

حركة في اتجاه واحد

 

تلخيص

النظام المتداول في هذا الملف هو بمثابة مثال آخر لاستغلال اسرائيل لسيطرتها على حركة الفلسطينيين والفلسطينيات بهدف محاولة بناء واقع سياسي وديموغرافي مبني على السلب المتواصل والقمع والفصل العنصري.

يدفع الفلسطينيين، وفي هذه الحالة النساء الفلسطينيات، أثمانًا باهظة لا يمكن تخيلها نتيجة طموحات إسرائيل بالحفاظ على سيطرتها على أراضٍ محتلة والتنصل المتواصل من مسؤوليتها على حياة من يعيشون فيها.

وفقا لموقف ”چيشاه-مسلك“، يجب على إسرائيل إلغاء هذا النظام غير القانوني فورًا، والسماح بالحركة بين أقسام المناطق الفلسطينية ووقف المساس المقصود بحقوق الفلسطينيين.

 

 

لقراءة نسخة ال-PDF من هذا التقرير، إضغطوا هنا.