تتسع في الأسابيع الأخيرة الاحتجاجات في إسرائيل ضد الانقلاب القضائي التي تدفع به الحكومة الإسرائيلية الحالية. الأصوات المركزية المنطلقة من الاحتجاجات تتعلق بإضعاف مؤسسات القضاء، زعزعة مبدأ فصل السلطات وإلغاء التوازنات والكوابح التي تشكل حجر أساس في كل مجتمع ديمقراطي. لا شك أن هذه مسائل جوهرية وتحمل إسقاطات على مختلف المؤسسات والهيئات في إسرائيل، وبالتالي، على مستقبل ملايين الناس الذين يعيشون بين النهر والبحر.
في ظل كل هذا، يجب الاعتراف بالحقيقة أنه حتى اليوم لم تطبّق هنا ديمقراطية بالمعنى الكامل أبدًا: يعيش على امتداد عقود تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة ملايين الفلسطينيات والفلسطينيين المحرومين من حقوق وحريّات أساسية. فهم ليسوا ممثَّلين في الكنيست ولا يمكنهم التصويت أو التأثير على سيرورات اتخاذ القرارات المتعلقة بجميع تفاصيل واقع حياتهم. أيضًا الفلسطينيين والفلسطينيات المواطنين في إسرائيل، ومواطنين ومقيمين آخرين، خصوصًا من غير اليهود، يتعرضون منذ سنوات طويلة للتمييز المؤسساتي، وأحيانًا لأكثر من ذلك.
في هذه الأيام التي تتوجّه فيها الأنظار نحو الضفة الغربية حول الأحداث الدموية القاسية، ومنها البوغروم في قرية حوّارة، هناك أهميّة أكثر من أيّ وقت مضى لنتذكّر أن الخطوات التي تتّخذها الحكومة في إسرائيل لتعميق سيطرتها في الضفة الغربية، ترتبط وتلقي بنتائجها مباشرة أيضًا على ما يفوق المليونين من سكان غزة. فلسطينيات وفلسطينيون في غزة، كثيرون منهم لاجئون أو أبناء وأحفاد لاجئين من العام 1948، تربطهم علاقات لا تُحصى، عائلية، اجتماعية ووطنية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك مع فلسطينيين من المواطنين في إسرائيل. إن الجرائم التي اقتُرفت في حوّارة، بغطاء من الجيش، هي نتيجة لنفس تلك السياسة الإسرائيلية التي تحرم سكان غزة من الوصول إلى بنات وأبناء عائلاتهم، إلى تلقي الرعاية الطبية، وكسب العيش الكريم.
إن هجمة التشريعات الراهنة، المشتقّة من الاتفاقيات الائتلافية التي تم توقيعها لإقامة الحكومة الاسرائيلية الحالية، تدلّ على نيّتها الواضحة: مواصلة تعزيز حكم الفوقية اليهودية، تسريع الضم الرسمي في الضفة الغربية، وتعميق عزل قطاع غزة. كل هذا بالإضافة إلى سحق إضافي للإمكانيات القليلة أصلاً لحماية حقوق مجموعات أقلية في إسرائيل، بينها الفلسطينيون مواطنو الدولة، و 5.4 مليون فلسطيني يعيشون تحت احتلالها. إن الخطوات التي تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية من شأنها أن تمس بشكل واسع أيضًا بالمجتمع المدني في إسرائيل، ويتم التخطيط أيضًا لهجوم عيني على مؤسسات حقوق الانسان التي تعمل من أجل تحصيل حقوق الفلسطينيين.
إن عقودًا من الاحتلال، السّلب والاضطهاد، منها 16 عامًا من الإغلاق الخانق وغير القانوني المفروض على قطاع غزة، قد أثبتت بما لا يحتمل الشك، أن إسرائيل تتنصل من واجباتها نحو الفلسطينيين والفلسطينيات وترفض الاعتراف بمسؤوليتها بالحفاظ على حقوقهم الأساسية. تواصل مؤسسة “چيشاه-مسلك” عملها من أجل الحفاظ على حق الفلسطينيين والفلسطينيات لحرية الحركة، وحقوق أخرى متعلقة به. أحد الأسباب التي جعلتنا، كمؤسسة، نتخذ قرارًا بالانضمام إلى الاحتجاجات الأسبوعية في إطار “الكتلة ضد الاحتلال”، هو من أجل إسماع هذا الصوت والتذكير: لم ولن تكون هنا ديمقراطية بدون حقوق إنسان للجميع. وبناءً على هذا فإن النضال من أجل الديمقراطية يجب أن يضمن نضالًا ضد الاحتلال والأبرتهايد.