روينا مؤخرًا قصة قارب الصيد رقم P-00494 الذي قبض عليه سلاح البحرية الإسرائيلي في بحر غزة في شباط 2022. ومنذ ذلك الحين يمثُل هذا القارب في قلب نضال قضائي جوهري على نحو خاص، نخوضه بالاشتراك مع مركز “عدالة”، ويخص قانونية القيود التي تفرضها إسرائيل في الحيّز البحري في غزة، وصلاحية سلاح البحرية في القبض على قوارب صيد فيه وطلب مصادرتها.
بعد أن قبض سلاح البحرية على القارب بزعم أنه انتهك القيود الإسرائيلية المفروضة في بحر قطاع غزة، قدمت دولة اسرائيل طلبًا استثنائيًا، هو الأول من نوعه، إلى المحكمة المركزية في حيفا كمحكمة للشؤون البحرية: السماح لإسرائيل بمصادرة القارب بشكل دائم. “چيشاه – مسلك” و “عدالة” قدّما طلبًا لشطب طلب المصادرة بشكل نهائي وفوري، وكذلك طلبا أمرًا مؤقتًا يمكّن من إعادة القارب إلى أصحابه في غزة حتى انتهاء الإجراءات القضائية. تم قبول الطلب المؤقت الذي قدمناه، وتحرير القارب P-00494في أيلول 2022 إلى غزة وإعادته إلى صاحبه، الصياد جهاد الهسي، تحت شروط مشدّدة وإيداع كفالة في صندوق المحكمة.
أفاد الهسي، الذي نمثّله، بأن القارب الذي يعيل أكثر من سبع عائلات في القطاع، أعيد إليه في حالة سيئة ومن دون التجهيزات التي كانت على متنه حين تم القبض عليه، بما في ذلك جهاز GPS. وقد اضطر الصياد إلى صرف نحو 40 ألف شيكل إضافية لتصليح الأضرار التي لحقت بالقارب خلال النصف سنة التي تم احتجازه خلالها في إسرائيل دون استخدام. هذه التكاليف فاقمت أكثر من الضائقة الاقتصادية التي لحقت به وبالعائلات الإضافية التي يتعلق مصدر رزقهم وأمانهم الغذائي بالقارب.
في مطلع شهر تشرين الأول 2022، بعد شهر من اضطرار إسرائيل إلى إعادة القارب إلى غزة وقبل أن تصدر المحكمة قرارها في طلبنا بشطب طلب اسرائيل لمصادرة القارب بشكل دائم، عادت الجهات الاسرائيلية وتوجهت إلى المحكمة. ادعت في توجهها أن القارب انتهك مرة أخرى القيود التي تفرضها في المنطقة البحرية التابعة لغزة، وبناء عليه فقد طلبت ليس فقط إعادة القبض على القارب مجددًا حتى انتهاء الإجراءات القضائية، بل أيضًا مصادرة أموال الكفالة التي فُرضت على الهسي كوسيلة عقابية شديدة إضافية.
طلب إسرائيل هذا تشوبه سوء النية ووحشية صارخة، خصوصًا في إزاء حقيقة أن إسرائيل احتفظت في حوزتها على أجهزة الـ GPS التي كانت على متن القارب حين تم القبض عليه، وهي الأجهزة التي تساعد الصيادين على معرفة مكان تواجد القارب في البحر. في إثر اعتراضنا على هذا الطلب، رفضت المحكمة طلب الجهات الاسرائيلية، ولكننا فوجئنا، لأسفنا الشديد، أن المحكمة أعطت الجيش الاسرائيلي ضوءًا أخضرًا للقبض على القارب في المستقبل من دون التوجه إليها مسبقًا، ومن دون أن تكون ملزمة بإثبات ادعاءاتها إذا ما طُرحت، بخصوص تجاوز المنطقة التي يُسمح فيها لصيادي غزة بالإبحار.
مع استمرار المداولات في هذا الإجراء، قبض سلاح البحرية في تشرين الثاني 2022 على قارب صيد إضافي، يعود للصياد محمد الهسي، وهو من نفس عائلة الصيادين القديمة من القطاع، وابن شقيق جهاد الهسي. وخلال القبض العنيف على قاربه، تم إطلاق النار على أحد الصيادين في رقبته ووجهه، ونُقل إلى مستشفى في إسرائيل، بينما نُقل سائر الصيادين الذين كانوا على متن القارب إلى المعتقل في إسرائيل، وتم إطلاق سراحهم إلى بيوتهم فقط في اليوم التالي.
الجهات الاسرائيلية، التي تواصل احتجاز قارب محمد الهسي حتى اليوم، قدمت إلى المحكمة للشؤون البحرية طلبًا بمصادرة القارب بشكل دائم. وفي هذه الحالة أيضًا قدمنا طلبًا لشطب هذا الطلب بشكل فوري. في هذا الملف أيضًا رفعنا ادعاءاتنا بأن القيود التي تفرضها إسرائيل في المنطقة البحرية التابعة لقطاع غزة غير قانونية وفقًا للقانون الدولي، وشدّدنا على أنه ليس لدى المحكمة صلاحية للنظر في طلب مصادرة قوارب تقبض عليها إسرائيل في هذا النطاق البحري. كذلك، طلبنا إصدار أمر مؤقت يقضي بتحرير القارب إلى القطاع حتى انتهاء الإجراءات القضائية.
في 23 كانون الثاني عقدت في محكمة الشؤون البحرية جلسة جمعت الملفيّن. لم تحسم المحكمة في ادعاءاتنا بخصوص عدم توفّر صلاحية لها للنظر في طلب الجهات الإسرائيلية مصادرة القوارب وعدم صلاحيتهم في اتخاذ خطوات من هذا النوع. بدلا من ذلك، حددت المحكمة موعدًا إضافيًا لعقد جلسة لغرض الاستماع إلى أدلة بهدف فحص ما إذا كان يمكن للطرفين أن يتوصلا إلى اتفاق على الحقائق. خلال الأسابيع التي انقضت منذ تلك الجلسة قدمنا إلى المحكمة إفادات باسم الصيادين، تفصّل ممارسات التنكيل التي يقوم بها سلاح البحرية الإسرائيلي نحوهم. أما الجهات الاسرائيلية فقد بلّغت المحكمة من جهتها أنها ليست معنية بالاستماع إلى إفادات الصيادين في المحكمة.
في 14 اذار قبلت المحكمة طلبنا وأقرت بالافراج عن قارب الصياد محمد الهسي حتى انتهاء الإجراءات القضائية، لكنها فرضت شروطًا صعبة جدًا، منها إيداع كفالة مالية عالية من قبل صاحب القارب وإعطاء صلاحية للجهات الإسرائيلية مصادرة جزء من الكفالة والقبض على القارب في حال ادعت أن القارب خرق مجددًا القيود التي تفرضها في بحر غزة. على الجهات الإسرائيلية إعادة القارب خلال 21 يومًا من يوم ايفاء كافة الشروط.
توافق الجهات الإسرائيلية مع الحقيقة أن الصيادين على القوارب قاموا بأعمال صيد لغرض كسب الرزق وإعالة عائلاتهم. على الرغم من ذلك، فهي تسعى إلى إلحاق الأذى بهم وبقدرتهم على كسب الرزق، وذلك من خلال تشويه حاد للقانون الدولي الذي يوفر حماية خاصة، تعترف بها كل دول العالم، لمواطنين غير ضالعين في القتال ولقوارب صيد تقوم بأنشطة صيد لغرض الاعتياش. تحاول إسرائيل تفريغ هذه الحماية من محتواها، وفي غضون ذلك ان تلحق الأذى المباشر بمواطنين وسلب وسائل كسب الرزق والغذاء من عشرات الأشخاص وحتى السيطرة عليها، مع أنها تعلم أن هؤلاء الأشخاص يعيشون أصلًا تحت طائلة فقر شديد.
إننا نعود ونحذّر: في حال قررت المحكمة للشؤون البحرية أنه توجد لإسرائيل صلاحية المصادرة الدائمة لقوارب صيد يملكها صيادون من غزة، فسوف تسجّل بذلك سابقة خطيرة توفّر لإسرائيل وسائل إضافية لإلحاق الأذى بسكان القطاع، ويفاقم بشكل صارخ إمكانيات إلحاق الأذى بقطاع الصيد في غزة.