أجرينا خلال الاعوام 2018 و2019 والاشهر آذار- نيسان 2022 سلسلة مقابلات مع فلسطينيين سكان غزة، يحملون تصاريح من إسرائيل تسمح لهم الخروج من القطاع للعمل في نطاقها، وخصوصًا في فرعي البناء والزراعة. وقد رووا لنا كيف يبدو يوم عملهم خارج القطاع وما هي المصاعب الأساسية التي يواجهونها. طلب العمال الذين حاورناهم عدم ذكر اسمائهم خشية من قيام إسرائيل بسحب تصاريحهم. ونؤكد على أن المعلومات أدناه تعكس تجارب العمال الذين تحدثنا معهم، من بين آلاف آخرين، وهي صحيحة لموعد اجراء المقابلات.
03:00 – 05:00︱العبور من غزة إلى اسرائيل
يبدأ يوم العمل في ساعات الصباح الباكر. يصل العمال من غزة إلى معبر إيرز قبل الفجر. بعد فحص الوثائق في الجهة الفلسطينية من المعبر، ينتقلون بحافلات إلى الجهة الإسرائيلية. وهناك يلتقي العمال مع التقييدات الإسرائيلية على نقل الامتعة الشخصية في معبر إيرز. وهكذا فإن الكثير من العمال يخرجون في الطريق الطويل الذي ينتظرهم دون أن يأخذوا معهم شيئًا، ويضطرون لشراء ما يحتاجونه من لوازم في اسرائيل.
(أ): ”كل مرة أخرج من غزة إلى إسرائيل أبدأ بالبحث عن مكان أشتري فيه ملابس، كي أتفادى الحاجة في أخذ حقيبة حين أخرج إلى العمل في المرة القادمة. ليس لديّ مكان (في إسرائيل) لأحفظها حين أعود إلى غزة“.
(م): ”تسمح إسرائيل بخروج العمال من غزة فقط مع الملابس التي يرتدونها، علبة سجائر، سماعات وهاتف نقّال. بينما يُمنع اخراج مستلزمات أخرى مثل حقيبة، أو شاحن، أو طعام، أو معدات شخصيّة. الكثيرون منا يرتدون عدة طبقات ملابس كي تتوفر لنا لاحقا“.
7:00︱البحث عن مشغّل
يقول العديد من العاملين في غزة إن عملية البحث عن عمل طويلة وصعبة. ينجح قسم من العمال في العثور على عمل من خلال العلاقات الشخصية، بواسطة أقرباء أو أصحاب عمل في القطاع ممن لديهم علاقات تجارية في إسرائيل، أو بمساعدة علاقات أقامها عمال آخرون ممّن بحوزتهم تصاريح عمل. يصل الكثير من العمال إلى المواقع المعروفة ب ”نقاط تجمّع“ منتظرين هناك على أمل مرور مشغلين يبحثون عن عمال مياومة أو ”وسطاء“ يوصلونهم إلى مشغّلين مقابل دفعة مالية.
(ع): ”كثيرون يدفعون رسوم سمسرة لكنهم يخافون الحديث عن ذلك خوفًا من أن يضرهم صاحب العمل ويتسبب في إنهاء التصريح. أنا أعمل في مجال التنظيف في بلدية وأدفع للوسيط 50 شيكلًا عن كل يوم عمل. معظم العمال يدفعون بعد وصولهم من نقطة التجمّع إلى مكان العمل. العمال الذين يتخصصون مهنيًا في مجال معين قد يدفعون حتى 100 شيكل عن يوم العمل“.
12:00︱عمل بدون حماية
يستمر يوم العمل بالمعدل 8 ساعات ونصف، لكنه قد يستمر ايضا من 10 و12 ساعة، بل أكثر. قسم قليل من العمال لديه مشغّل ثابت، بينما تضطر غالبية العمال إلى تبديل مشغلين وأماكن عمل بوتيرة عالية. يفيد الكثير مِن مَن حاورناهم عن حالات مماطلة في دفع الأجور ورفض دفع تعويضات عن حوادث عمل أو أيام مرض، على الرغم من أن المشغّل مُلزَم بإحترام حقوق عمّاله، حتى لو كانوا عُمالًا يتم تشغيلهم بشكل ”غير قانوني“.
في غياب تطبيق القانون ضد إنتهاكات مشغّلين في إسرائيل، فإن العمال الفلسطينيين الخارجين لكسب رزقهم فيها، سواء من غزة أو الضفة الغربية، سواء كان بحوزتهم تصريح عمل أم لم يكن، يبقون معرّضين على نحو متأصل للظلم والإستغلال.
(م): ”العمل ليس سهلًا، نعمل تحت الشمس لساعات طويلة. أنا أعمل 15 ساعة يوميًا بتنظيف شواطئ السباحة، أي ورديتين متتاليتين. خلال كل وردية عمل هنالك فرصتي استراحة قصيرتين. أكسب تقريبًا 350 شيكل يوميًا، حتى لو عملت أيام الجمعية أو خلال أيام عيد“.
(ح): ”سقطتُ مرة من الطابق الثالث على سقالة. ارتحت لمدة ثلاث ساعات لكن الوجع كان يزيد. عدت إلى غزة وقالوا لي في المستشفى أن رجلي قد كُسرت. وظلّت مجبّرة بالجبس لمدة شهر. لم يتصل المشغّل بي طيلة هذه الفترة، لم يدفع عن أيام المرض، ولم يسألني حتى عن حالي“.
17:00︱طلب تلقي الأجر في ختام يوم العمل
من يُحدد أجر العمال فعليًا هم المشغّلون، وذلك وفقًا لتجربة العمال السابقة، التخصص في مجال عمل معين ووجود علاقات مع المشغّل. يتراوح أجر يوم العمل الواحد بين 200-350 شيكلاَ، لكنه قد يصل إلى 600 شيكل وأكثر.
يتعلق موعد تلقي الراتب بإتفاق شفوي بين العامل والمشغّل مع بداية العمل. قسم من العمال يتلقون أجورهم على أساس يومي، وآخرون على أساس أسبوعي أو شهري. كل العمال الذين حاورناهم سمعوا عن عمال آخرين لم يتلقوا أجرًا بالمرة مقابل عملهم، وخافوا التحدث عن ذلك كيلا يخاطروا بفقدان تصاريحهم. لم يتلق أي عامل من الذين حاورتهم ”چيشاه – مسلك“ قسيمة راتب ولا أية وثيقة رسمية تشهد على تلقيه أجرًا مقابل عمله.
(أ): ”كان لديّ تأخيرات لفترات طفيفة في تلقي الراتب، ولكن هناك كثيرين ممن واجهوا مصاعب أكبر بكثير، مثل تلقي فقط نصف الأجر الذي تم الإتفاق عليه مسبقًا مع المشغّل. يحدث هذا بالأساس في منطقة الجنوب التي تجذب عمالاً بسبب قرب المسافة نسبيًا عن غزة والتوفير في تكاليف السفر. ليس هناك من يحمي العامل في حال رفض المشغّل احترام الاتفاق بينهما“.
(س): ”أنا أعرف أن مشغّلي الإسرائيلي قد استغلني. يوم العمل كان يمتد أحيانا حتى الساعة 19:00 بدون زيادة أجر. واعتاد أيضًا خصم 300 شيكل من أجري والتعهد بإكمال المبلغ في الراتب التالي، لكنه لم يعوض هذه المبالغ ابدًا“.
19:00︱عودة إلى غزة أو بحث عن مكان مبيت
تتعلق عودة العمال إلى بيوتهم وعائلاتهم في القطاع بكمية العمل، مدى استمراره، والمسافة ما بين موقع العمل وبين معبر إيرز. كثير من العمال يفضلون التوفير في أوقات السفر الطويلة لمكان العمل وفي تكاليف السفر من غزة إلى إسرائيل. قسم من العمال الذين تحدثنا معهم يعودون إلى غزة يوميًا أو مرة في الأسبوع، وآخرون يعودون إلى غزة مرة في الشهر. غالبًا لا يهتم المشغّلون بترتيبات مبيت للعمال. كثيرون منهم يبحثون عن دار للإستئجار مع عمال آخرين، بالقرب من موقع العمل وحتى بعيدًا عنه، وبتكلفة أقل.
(أ): ”هناك أماكن معروفة تؤجَّر لعمال فقط. 10 أشخاص ينامون معًا في غرفة واحدة، ويدفع كل منهم 200-300 شيكل شهريًا مقابل سرير. ليس هناك ظروف مبيت أساسية معقولة، مكان المبيت مكتظّ جدًا. من يعمل في المناطق الشمالية يفضل هذا الحل لأنه من غير المُجدي اقتصاديًا العودة إلى غزة في نهاية كل يوم عمل“.
(م): ”أنا أعمل في التبليط، وأتلقى أجرًا بمبلغ 500 شيكل يوميًا وتصل مصروفاتي اليومية إلى نحو 100 شيكل. دفعت تكاليف الوصولات المطلوبة لإجراءات تلقي تصريح ’تاجر‘ بواسطة قرض من أخي وبيع قسم من مجوهرات زوجتي. على الرغم من اشتياقي للعائلة في القطاع، أعود للبيت مرة في الشهر فقط. واجهت صعوبة في العثور على مكان عمل لذلك أحاول العمل والتوفير قدر المستطاع خشية من ألا أنجح في تجديد التصريح مستقبلاً“.
>> لقراءة ورقة موقف “چيشاه — مسلك” عن السياسة الإسرائيلية بخصوص توظيف الفلسطينيين من غزة في إسرائيل ، انقروا هنا.
*الصور من فتحي مجدي