شاحنة داخلة إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم. تصوير: "ﭼيشاه – مسلك"
شاحنة داخلة إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم. تصوير: “ﭼيشاه – مسلك”

2 نيسان، 2017. .بعد نضال قضائي وجماهيري غير قصير، وبالتعاون مع جهات في كل من المجتمع الدولي وإسرائيل، شعرنا برضًا معين عند قيام منسق أعمال الحكومة في المناطق بنشر قائمة “المواد ثنائية الاستخدام التي يتطلب نقلها إلى قطاع غزة ومنطقة يهودا والسامرة استصدار تصريح خاص”، على موقع منسق أعمال الحكومة في المناطق، بكل من اللغات : العبرية، الإنجليزية، والعربية.  الحديث هنا عمليًا عن قائمتين: الأولى تشمل 56 غرضًا يتطلب السماح بدخولها إلى الأراضي الفلسطينية، عمومًا، استصدار “تصريح خاص”،  فيما تشمل القائمة الثانية 61 غرضًا إضافيًا، وهي قائمة  خاصة بقطاع غزة. تعد هذه القائمة إضافة إلى القوائم المفصلة المعلنة ضمن قائمة المعايير العالمية التي تشمل الأغراض ثنائية الاستخدام، والتي تمت صياغتها في اتفاقية فاسنار. إن شعورنا بالرضى نابع من عملية النشر نفسها.  أما حقيقة وجود هذه القائمة، وطابعها على وجه الخصوص، فهما أمران يسبّبان الإحباط.

تشمل القوائم المنشورة تعريفات فضفاضة جدًا، على غرار “السيارات” و “معدات الاتصالات” و”المعدات التي المستخدمة في دعم الاتصالات”. كما أنها تشمل مواد على غرار زيت الخروع؛ إن هذه القوائم وليست بالفعل روقة تعليمات قابلة للاستخدام، بل إنها تشمل توجّهات اقتصادية بأكثر من كونها قوائم واضحة.  وإلى جانب هذا كلّه، فهنالك رابط فرعي على موقع الإنترنت الخاص بمنظومة إعادة إعمار غزة، التي تديرها إسرائيل مقابل السلطة الفلسطينية وتحت رقابة من الأمم المتحدة. هذا الرابط الفرعي مخصص لفحص حالة المواد ثنائية الاستخدام التي تقوم جهات مختلفة بطلبها وتطالب بدخولها الى القطاع، عبر ذكر حالة الطلب وموضعه على سلسلة اتخاذ القرارات ( أي أنها تحدد حالة الطلب من حيث كونه موافق عليه، قيد الفحص، أو مرفوضًا).  ويظهر ضمن هذا الرابط في ما يربو على 8,500 غرضًا. نكرر الرقم مجددًا:  ثمانية آلاف وخمسمائة غرض. هذا يعني أنه لا يمكن بالفعل التخمين أي من المواد أو أغراض يستوجب دخولها تقديم طلب تنسيق خاص بالمواد ثنائية الاستخدام، أو التنبؤ بالنسبة لطبيعة الرد، أو توقّع موعد تلقّي الرد بخصوص طلب التنسيق. هذا إن تم تلقي رد بخصوصها أصلا. إن أي غرض تقريبا يعدّ عرضة للرفض، سواء أكان الرفض مؤقتا أم نهائيًا بادعاء كون الغرض “ثنائي الاستخدام”.

قبل أكثر من عام، قمنا بنشر ورقة موقف  حذرنا فيها من الثمن الباهظ الذي يترتب على زيادة بنود قائمة المواد ثنائية الاستخدام، إلى جانب انعدام الشفافية في كل ما يتعلق بالأغراض الظاهرة في هذه القائمة، إن عملية الفرز وطرائق اتخاذ القرارات بخصوص هذه التوجهات، هو أمر بحثنا عنه في أسئلتنا، كما أننا قد قمنا بتوجيه أسئلة متعلقة بالإجراءات التي ينبغي على المنظومة القائمة التي تقوم باستخدام هذه القوائم العمل وفقها. إن هذه التوجيهات تبدو، ظاهريًا، رمادية، ولكنها سوداء في بعض الأحيان: وبكلمات أخرى: أنها تعد محظورات يتم إخفاؤها تحت ستار كونها تخضع لعملية الفرز. وقد عبرنا عن غضبنا، على وجه الخصوص لأن من يتعرض للظلم نتيجة وجود هذه القائمة: هم الفلسطينيون، وخصوصا فلسطينيّو غزة،  الذين تتم عرقلتهم مرتين، في المرة الأولى بسبب حاجتهم للخضوع لاختبار مشدد وغير واضح، وفي المرة الثانية بسبب عدم نشر القائمة علنيّا. إن هذه الضبابية لا تتيح خلق اليقين الضروري للنشاط الاقتصادي السليم. إن التاجر الذي يقوم بالتوصية على بضاعة، ويدفع مقابلها، لا يكون واثقا بشكل معقول أن بضاعته ستصل فعلا، وذلك حتى لا يتم تعطيلها أو مصادرتها على المعبر، حتى بعد المصادقة على إدخالها، ظاهريا، من قبل إسرائيل.

لقد فعل منسق أعمال الحكومة في المناطق حسنا حين قام أخيرا بالعمل الصحيح ونشر على الملأ هذه القوائم. ولكن وفي الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل، ظاهريا، أنه من المسموح إدخال كل شيء إلى القطاع، باستثناء القائمة التي تشمل الأغراض ثنائية الاستخدام، إلا أن الواقع على الأرض هو أن هذه القائمة تشمل آلاف المنتجات التي يمنع إدخالها، إلا عبر استصدار “تصريح خاص”، وسوى تلك الأغراض لا يتطلب استصدار تصريح (فهي رغم كل هذا، يتم إخضاعها أصلا لإجراءات استصدار تصاريح، إلى جانب عمليات المسح الأمني الدقيق). في ظل هذه الظروف لن تكون هنالك نهضة حقيقية للاقتصاد الفلسطيني، خصوصًا الاقتصاد في غزة. إن الجمود والتراجع، البطالة واليأس، لا تحمل البشرى بالهدوء للمنطقة. بيد أن هذه ليست مصيرا محتوما، بل نتيجة لسياسات خرجت عن السيطرة. لقد آن الأوان لإعادة صياغة قائمة معقولة من الأغراض “ثنائية الاستخدام” بأحجام وأبعاد تتلاءم مع المقاييس العالمية، وذلك من أجل السماح للاقتصاد الفلسطيني ببلوغ غاياته وتحقيقها.