17 تشرين الاول 2012. في ختام النضال القانوني الذي قادته جمعية “ﭽيشاه- مسلك” لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، كشفت وزارة الأمن وثيقة “استهلاك الغذاء في القطاع- الخطوط الحمراء”، والتي تقدم معلومات عن سياسة تقييد دخول الأغذية إلى قطاع غزة التي كانت سارية المفعول منذ سنة 2007 وحتى 2010. وصلت الوثيقة، التي تم أرسالها بنسختين بصيغة معروضة (باوربوينت)، إلى جمعية “چيشاه-مسلك” خلال عيد العرش، بعد أن ردت محكمة العدل العليا استئناف الدولة الذي سعى لمنع نشر هذه الوثيقة ، قبل ذلك بيوم. للحصول على المزيد من المعلومات حول المعروضتين، تحليل مضامينها وتفصيل الإجراء القانوني الذي أدى إلى نشرهما، يرجى قراءة ورقة المعلومات هذه. في نفس الوقت، نود أن نطرح في هذا السياق بعض النقاط المهمة التي تظهر، حسب رأينا، في هذه الوثائق.

للاطلاع على ترجمة الوثائق

التقليص الحاد في كميات الطعام الداخلة إلى القطاع فاقم حالة الاضطراب في مجال تزويد الغذاء وساهم في رفع أسعار الغذاء ارتفاعا ملحوظا. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن السياسة الإسرائيلية في الفترة المذكورة لم تؤدي إلى حالة مجاعة أو إلى نقص متواصل في السلع الغذائية الأساسية في قطاع غزة. وبحسب التقارير الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي (WFP) في تلك الفترة، فقد بلّغ تجار في غزة عن نقص عيني وعن صعوبة الاحتفاظ بمخزون السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والسكر ومنتجات الحليب والزيت. بالإضافة إلى ذلك فإن الأزمة الاقتصادية الخطيرة الناجمة عن الإغلاق، وخاصة سرعة ارتفاع نسبة البطالة ازدادت بسبب المنع على إدخال مواد خام وإخراج بضاعة للأسواق الخارجية، والتي جعلت العديد من العائلات في القطاع مرهونة بما تقدمه مؤسسات الإغاثة من مساعدات.  بين الربع الثاني لسنة 2007 والربع الثاني لسنة 2008 ارتفعت نسبة البطالة بـ 72% (من 26.4% إلى 45.4%). أما تقرير OCHA  فقد بيّن أن نسبة سكان القطاع الذين يحصلون على مساعدات إنسانية قد ارتفعت من 63% سنة 2006 إلى 80% سنة 2007. العواقب الأساسية لسياسة الإغلاق تمثلت، ولا تزال تتمثل حتى يومنا هذا، في تدهور حالة الفقر، الارتهان أكثر بالمساعدات الإنسانية، وإعاقة فرص التطوير الاقتصادي، والتعليم العالي وكسب لقمة العيش الكريم.

تُلخص معروضة الخطوط الحمراء التي تم إعدادها في شهر يناير 2008، العمل الذي قامت به هيئة من وزارة الأمن بالتعاون مع وزارة الصحة لاحتساب استهلاك الغذاء العادي لسكان قطاع غزة. وطوال فترة الحراك القانوني من أجل نشر هذه المعروضات، وأيضا في الرسالة التي تم إرفاقها بالملفات عند تسليمها لجمعية “چيشاه-مسلك”، ادعى مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق أن “المعروضات المرفقة هي عبارة عن مسودة ولم يتم استخدامها في أي مرحلة من المراحل كأساس لتطبيق السياسة المدنية مع قطاع غزة”. هذا الادعاء يثير الاستغراب لا سيما وأن جزء من الكميات التي تم احتسابها في عمل الوزارة يظهر بكل دقة أيضا في الحصص الفعلية التي تم تحديدها في تلك الفترة لإدخال البضائع المختلفة للقطاع (راجعوا تفصيل ورقة المعلومات).

إن مراجعة معطيات إدخال البضائع من إسرائيل إلى قطاع غزة بعد سيطرة حماس على القطاع وإحكام الإغلاق في أعقاب ذلك، تبين أن الكميات التي سُمح بإدخالها لا تعكس في حقيقة الأمر الخط الأحمر الذي تم تحديده في المعروضة (انظروا الشكل 1). في الواقع كانت أقل منه. وزارة الأمن حسبت ووجدت أن “الوجبة الإنسانية اليومية” لسكان قطاع غزة توجب إدخال 106 شاحنات من إسرائيل في اليوم، 5 أيام في الأسبوع. في السنة الأولى بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وإحكام الإغلاق (من يوليو 2007 وحتى يونيو 2008) أُدخل بالمعدل 65 شاحنة في اليوم (لا يشمل معبر كارني).

وفي شهادته أمام لجنة تيركل، شرح منسق أعمال الحكومة في المناطق، اللواء إيتان دانچوط، أن إدخال البضائع إلى غزة كان محدودا أيضا بسبب إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل وخاصة نحو المعابر. دون التشكيك في ذلك ودون التخفيف من حجم هذه التهديدات، نُذكر فقط أن المستندات السابقة التي تم نشرها في أعقاب عمل “چيشاه-مسلك” أظهرت أن السياسة الرسمية شملت فرض قيود عينية على إدخال غذاء دون علاقة بأي اعتبارات أمنية مباشرة وفورية. إحدى ادعاءات “چيشاه-مسلك” في نفس الفترة كانت ان بسبب الإغلاق المتكرر للمعبر نتيجة لتصاعد العنف، على وزارة الأمن بتجنب تقييد كمية البضائع التي يُسمح إدخالها خلال الأيام التي تعمل فيها المعابر. ردت محكمة العدل العليا هذا الادعاء.

تصف المعروضات ايضًا منظومة الرقابة التي تقف وراء السياسة التي دهورت مستوى عيش سكان قطاع غزة بشكل مقصود. ومن التصريحات التي أطلقها الساسة والموظفين الكبار في جهاز الأمن في تلك السنوات يمكن أن نستنتج أنها هدفت لممارسة الضغط على حماس. لقد قامت هذه السياسة على قاعدتين: قاعدة قانونية تفيد أنه في أعقاب انفصال إسرائيل عن غزة وسيطرة حماس على القطاع فإن التزام إسرائيل تجاه سكان غزة أصبح محصورا في الاحتياجات الإنسانية الأساسية فقط، وبأن المنطق السياسي- الأمني الذي يؤمن أن الضغط على كافة شرائح السكان دون تمييز هو أداة فعالة وشرعية في إطار النزاع العسكري مع حماس.

في بادئ ذي بدء، علينا ان نذكر بان منع إدخال منتجات أساسية للسكان المدنيين كأداة ضغط على جهات سياسية او عسكرية يناقض مبادئ القانون الانساني الدولي. كما وأن سيطرة إسرائيل على طريقة حصول سكان القطاع على الغذاء (عبر السيطرة على المعابر والمجالين الجوي والبحري) تفرض عليها واجبات أكبر من تلك التي تلزمها فقط بمنع حدوث أزمة انسانية. أما حول عدم فتح مصر سبل دائمة وآمنة لادخال الغذاء الى غزة فهذا لا ينتقص من مسؤوليات اسرائيل نحو سكان القطاع. (لقراءة تحليل قانوني شامل في هذه القضية يمكن قراءة تقرير مؤشر السيطرة)

بالاضافة الى ذلك، يصعب أن نجد اليوم رجل سياسة أو خبير في القضايا الأمنية يمكن أن يدعي أن سياسة الإغلاق ما بين السنوات 2007-2010 عادت بالنفع على إسرائيل سياسيا أو أمنيا. ومنذ أكثر من سنتين لا تفرض إسرائيل أي قيود على دخول المنتجات الغذائية إلى القطاع. لكن القاعدة الأساسية لنفس السياسة- الموقف القانوني والمنطق السياسي- الأمني- ظلت أيضا الأساس للسياسة الحالية التي يُطلق عليها جهاز الأمن “سياسة الفصل”. وفي إطارها يتم فرض قيود شاملة على تنقل الأشخاص والبضائع من غزة إلى الضفة الغربية. مرة أخرى نجد أن بعض القيود تُفرض دون أي داع أمني مباشر وفوري، ملحقة أضرارا جسيمة بالاقتصاد، وتؤكد علنا أن هدف هذه السياسة “الضغط على سلطة حماس ومساعدة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.”

وفيما يضطر جهاز الأمن إلى نشر وثائق تُعرّض السياسة القديمة والفاشلة لسهام النقد، فإن السياسة الحالية تبقى تحت غطاء الضبابية. من غير الواضح أي جهة سياسية أو عسكرية بلورت “سياسة الفصل”، وما هي أهدافها ولأي أجهزة رقابة تخضع. السياسة غير الشرعية مصيرها الفشل والانكشاف. السؤال المطروح هنا هو هل سيختار واضعو السياسات هذه المرة الخروج لشرح سياستهم للجمهور الذي يعملون باسمه، على أي أسس يتم تحديد قيود التنقل المفروضة اليوم على سكان غزة، وكيف تستجيب هذه القيود للأعراف القانونية والأخلاقية التي ترى إسرائيل نفسها ملتزمة بها.

ترى جمعية “چيشاه-مسلك” أن على إسرائيل الامتناع عن فرض القيود على التنقل والتي لا طائل منها في الحفاظ على الأمن والتي تلحق الضرر الجسيم بالسكان المدنيين، أو تمنع سكان القطاع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وتحقيق التطوير الاقتصادي.