يحدد “نظام التعامل مع طلبات استقرار سكان قطاع غزّة في يهودا والسامرة“، (إجراء الاستقرار)، الظروف الاستثنائية التي يسمح بموجبها بانتقال سكان غزّة إلى الضفة الغربية لغرض الاستقرار فيها: في حال كان يعاني الشخص من حالة طبية مزمنة تُلزمه بتلقي رعاية من قبل قريبه الذي يسكن في الضفة؛ قاصر يقل عمره عن 16 عامًا توفي والده الذي يسكن في قطاع غزّة، ووالده الآخر يعيش في الضفة؛ مسن محتاج إلى عناية، يفوق عمره 65 عاما وتتطلب حالته عناية من أحد أقاربه من سكان الضفة. وفي الحالات المذكورة أعلاه، يشترط ألا يكون هنالك قريب آخر موجود في القطاع قادر على مساعدة الشخص المحتاج للمساعدة، حتى لو كانت صلة القرابة في هذه الحالة أبعد. ويتضمن الإجراء أيضًا “بندًا” لفحص الطلبات التي لا تنطبق عليها أي من البدائل المذكورة أعلاه، لكنها ترتبط بظروف إنسانية استثنائية لا يستطيع مقدم الطلب بسببها أن يعيش في القطاع. ويوضح هذا الإجراء الإداري أن الزواج، والوالدية المشتركة، إن كان أحد الوالدان من سكان قطاع غزّة والآخر من الضفة الغربية، لا تشكل ظروفًا إنسانية تبرر طلب الاستقرار في الضفة. الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه المعايير الضيقة المذكورة، مطالبون بخوض إجراءات بيروقراطية إضافية من أجل الحصول على تصريح للمكوث في الضفة، وهو تصريح ينبغي تجديده في كل عام على مدار سنوات عديدة، حيث يمكن لمنسق أعمال الحكومة في المناطق إلغاء التصريح في أي وقت يراه مناسبًا، أو تتم في نهاية المطاف، المصادقة على طلب استقراره، ويتم تغيير عنوان الشخص في الوثائق الرسمية.
وعمليًا تطالب دولة إسرائيل السكان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية منذ سنوات طويلة، وحتى ولدوا فيها، التقدم بطلب استقرار بحسب هذا الإجراء ، في حال كان العنوان المسجل في وثائقهم هو غزّة، ويرغبون في تغييره.
ويظهر التأثير الأساسي لتسجيل العنوان بالنسبة للسكان الفلسطينيين، سواء كانوا من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزّة، في حيرتهم بالحركة والتنقل. فالمواطن القاطن في الضفة الغربية وعنوانه مسجل فيها، يكون قادرًا على السفر من الضفة إلى إسرائيل، وإلى دول الخارج، وفي حال انطبقت عليه المعايير يكون بإمكانه أيضًا زيارة قطاع غزّة. وبالمقابل، فإن المواطن الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية رغم أن عنوانه المسجل هو قطاع غزّة، يعتبر بنظر دولة إسرائيل “مقيمًا بشكل غير شرعي” في الضفة. وبناء عليه، ليس بإمكانه الحصول على تصاريح للخروج من الضفة إلى إسرائيل أو دول الخارج، وهو يعيش تحت تهديد دائم بالطرد إلى القطاع. وفي حال ذهابه إلى قطاع غزة لزيارة والديه، فإنه لن يتمكن من العودة إلى منزله، وإلى عائلته، وإلى عمله في الضفة.
بناء على ما تقدم، تظهر الأهمية الكبرى لإجراء الاستقرار، الذ يتيح، ظاهريًا، امكانية “تسوية المكانة القانونية” في الضفة. الجدير ذكره أن هذا الإجراء الإداري الذي تم نشره للمرة الأولى من قبل منسق أعمال الحكومة في المناطق في العام 2009، والنسخة الجديدة منه التي نشرت في العام 2013 بعد انتقادات وجهتها محكمة العدل العليا، وحتى التحديثات التي أدخلت على الإجراء لم تتماشى مع ملاحظات المحكمة التي أشارت إلى الحاجة إلى توسيع المعايير.
بتاريخ 15/1/2017، تقدمت جمعية “چيشاه – مسلك”، بالتعاون مع هموكيد – مركز الدفاع عن الفرد، بطلب بحسب قانون حرية المعلومات، الصادر في العام 1998، بهدف الحصول على معلومات وتفاصيل من منسق أعمال الحكومة في المناطق فيما يتعلق بتطبيق هذا الإجراء خلال العام الماضي. وقد تم التقدم بطلبات مماثلة في الماضي متعلقة بتطبيق هذا الإجراء منذ نشره في العام 2009. وبتاريخ 21/3/2015، ردّ منسق أعمال الحكومة في المناطق على الطلب وقام بتزويدنا بمعطيات مثيرة للقلق، تشير إلى أن العام الماضي أيضًا، قد شهد استخدام إجراء الاستقرار من أجل رفض طلبات الاستقرار، لا من أجل الموافقة عليها:
إن المعطى الأشد إثارة للقلق في رد المنسق المذكور هو أنه ومنذ تاريخ 11/2/2016، تمت معالجة طلب واحد فقط، بناء على توجيهات الإجراء المذكور.
وحتى هذا الطلب، الذي كان موضوعه اثنان من القاصرين، قد تمت معالجته فقط بعد أن تم تقديم التماس إلى محكمة العدل العليا بشأنهما. وفي هذا العام أيضًا، لم تتم معالجة (ولم تقدم أصلاً)، طلبات استقرار من قبل مسنّين بحاجة إلى رعاية أو مرضى مصابين بأمراض مزمنة بحاجة إلى مساعدة أبناء عائلاتهم القاطنين في الضفة.
إن معاينة رد منسق أعمال الحكومة في المناطق على الطلبات المستندة إلى قانون حرية المعلومات في العامين 2014 و 2016 تشير إلى أن الأعوام الثمانية التي مرت منذ نشر إجراء الاستقرار، قد شهدت معالجة خمسة طلبات فقط، وجميعها قد تمت معالجتها بعد التقدم بالتماسات إلى المحكمة العليا. ومن ضمن هذه الطلبات، تمت المصادقة على أربعة طلبات متعلقة بأطفال قاصرين ما ليس لهم أقارب في قطاع غزّة قادرين على الاهتمام بهم. وذلك، في وقت يوجد فيه على الأقل نحو 20,000 شخص يطالبون بتغيير عنوانهم المسجل إلى الضفة الغربية، بحيث يتناسب وواقع حياتهم.
بناء على ما تقدّم، فإن المعطيات التي قدمها منسق أعمال الحكومة في المناطق توضح، مجددا، أن المخطط الذي تم ترسيمه في “إجراء الاستقرار” تمنع أية إمكانية حقيقية للتقدم بالطلبات أو المصادقة عليها. إن هذه الإجراءات تظل طريقا مسدودة، وإن المعايير المحددة فيه تظل متصلبة وضيّقة، بحيث لا يمكن أن يستوفي أحد معاييرها.