
12 تموز, 2018. في خطوة عقابية شاملة، تدفع المنطقة بأسرها إلى الوراء، إلى أيام الحرب الاقتصادية ضد سكان قطاع غزة، أعلنت إسرائيل يوم أمس بأنها ستقوم بفرض تقييدات مشددة على دخول البضائع من خلال معبر كرم أبو سالم، معبر البضائع الرئيسي إلى القطاع. سيسمح بدخول الوقود، مواد غذائية، معدات طبية معينة وأدوية، مواشي وأعلاف. في حين ستقوم إسرائيل بمنع دخول كل شيء آخر إلى القطاع: مواد البناء، الملابس، البطانيات والفرشات، مضخات المياه، قطع الغيار، المولدات، وغيرها. إن تعريف البضائع المسموح دخولها إلى غزة باعتبارها “إمدادات إنسانية” وتعريف قائمة الممنوعات باعتبارها أقل ضروريةً، هو أمر لا أساس له من الصحة، خصوصا في ظل الوضع المتردي السائد أصلاً في القطاع. يبدو أن إسرائيل ستقوم من جديد بالعمل وفق معيار الحد الأدنى الإنساني في مجال تزويد البضائع لسكان القطاع، تماما كما سعت إلى فعله في بداية العقد الحالي.
1.تلقت سلطة المعابر الفلسطينية من إسرائيل قائمة بالبضائع التي سيسمح بدخولها إلى قطاع غزة. وما لا يقل خطورة عن ذلك، هو قرار الوقف التام لحركة البضائع الخارجة، المخصصة للتسويق في كل من إسرائيل والضفة الغربية، أو للتصدير إلى دول الخارج.
2. من أجل إدراك الأثر الذي سيكون لهذه العقوبات التي تفرضها إسرائيل، بإمكاننا النظر إلى كمية البضائع الداخلة من كرم أبو سالم خلال الشهر الماضي. فمن أصل 6,819 شاحنة بضائع ووقود نقلت من خلال المعبر خلال شهر حزيران، كانت “المعايير” الجديدة تنطبق على نحو 45 بالمئة منها على الأقل (أي 3,048 شاحنة على الأقل). بمعنى أن أكثر من نصف كمية البضائع المارة بالمعبر، الضرورية من أجل ضمان حياة سليمة، لن يكون من الممكن دخولها في ظل التقييدات الجديدة.
3. تشكل مواد البناء نحو 44 بالمئة من مجمل البضائع التي يمنع دخولها منذ الآن. إن وقف إمداد القطاع بها سيؤدي سريعا إلى وقف عمليات البناء، كما حصل خلال الشهور التي أدت إلى اندلاع العملية العسكرية “الجرف الصامد” في العام 2014، حيث قامت إسرائيل آنذاك أيضا بمنع دخول مواد البناء. إن تأثير الأمر على نسبة البطالة سيكون حادًا. فمنسوب البطالة منذ الآن يقترب من نصف سوق العمل. وهنالك في غزة نقص مزمن في الشقق السكنية، الغرف الصفّية، والعيادات.
4. خلال شهر حزيران خرجت من خلال كرم أبو سالم 149 شاحنة بضائع للتسويق في كل من إسرائيل والضفة الغربية، وللتصدير في الخارج أيضًا. وتعدّ هذه كمية ضئيلة نسبيًا مقارنة بكمية البضائع التي كانت تخرج من غزة قبل حزيران 2007، عشية فرض الإغلاق الشامل على القطاع، حيث كان عدد الشاحنات الخارجة يفوق ألف شاحنة في الشهر الواحد.
5. وقال فريد زقوت، مدير اتحاد الصناعات الانشائية في القطاع، للباحث الميداني في “جيشاة – مسلك” بأن إعلان الأمس قد تسبب في ارتفاع فوري في أسعار مواد البناء، وخصوصًا الإسمنت. حيث أن الطن الواحد من الإسمنت كان يباع حتى الأمس ب 490 شيكل، وهو اليوم يباع بمبالغ تتراوح ما بين 660 – 800 شيكل. ويشير زقوت إلى أن إبطاء أو وقف العمل في قطاع البناء سيؤثر على الفروع التجارية والصناعية الأخرى المرتبطة به، كصناعة الأثاث، ومسوّقي الألمنيوم، وغيرها.
6. يشهد حسن شحادة، وهو صاحب شركة ألبسة، أنه قد وجد صعوبة في النوم هذه الليلة في أعقاب صدور القرار. “أنا أعمل مع عدة شركات في الضفة، وإسرائيل، والصين”. هاتفي لم يتوقف عن الرنين منذ الأمس. التجار مرعوبون من إمكانية عدم تلقيهم البضائع. إن ظل الحال على ما هو عليه، فسينجم الأمر عن خسائر هائلة لي، وذلك لأن الاتفاقيات التجارية التي وقّعت عليها، تحتوي على التزام بتسديد ثمن كل قطعة تظل لدي في مصنعي. لدي مائة عامل في المصنع، إلى جانب مائة آخرين يعملون من منازلهم، هذا القرار الإسرائيلي بالطبع سيؤثر عليهم هم أيضًا.
7. المزارع سليمان زعرب، كان من المفترض أن يقوم اليوم بتصدير 2,000 صندوقًا من البطاطا الحلوة. وهو يقول بأن البضاعة لن تباع في غزة بسبب قلة الطلب، ولذا فإن البضاعة ستكسد وتبور. “المزارعون هم أكبر الخاسرين من هذا القرار”، يقول زعرب. “لقد استثمروا الكثير في تنمية المحاصيل، وانتظروا بيعها لكي يقوموا بتسديد الديون والقروض، ولكي يربحوا القليل. أما الآن، فلم يتبق لهم شيء”.
8. بسبب أزمة الكهرباء، هنالك مشكلة مزمنة بخصوص حفظ المنتجات الزراعية في غرف التبريد في غزة. والأسعار في السوق الغزّي تهبط بحدة، فسعر صندوق البندورة قد انخفض خلال يوم واحد من 80 شيكل إلى 60. ويقول أحمد الأسطل، وهو تاجر منتجات زراعية، رغم هذا “إن المشكلة هي أنه سيكون هنالك انخفاض أكبر في الأسعار، فالسوق المحلية قادرة على استيعاب 30 بالمئة من البضائع التي كانت مخصصة للتسويق والتصدير، كحد أقصى”.
خيار إسرائيل في مواجهة الطائرات الورقية الحارقة بواسطة العقوبات الجماعية، هو خيار غير أخلاقي وغير قانوني. فالحالة الإنسانية في القطاع شديدة السوء من دون حاجة إلى هذه العقوبات، والكثيرون يقولون بأنها خطيرة. إن الضرر المتسبب لمزارعي الجنوب والمناطق المحيطة هو ضرر خطير ومؤسف. مع ذلك، إلحاق الضرر بسكان غزة لن يسهم في إصلاحه.