بعد عقود من التقييدات و15 عامًا من الإغلاق و “حرب اقتصادية” من جانب إسرائيل، أصبح الارتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية وتكاليف المعيشة قاسيًا بشكل خاص بالنسبة للفلسطينيين في قطاع غزة، نصفهم من الأطفال.
سجلت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في الربع الأول من عام 2022 (كانون الثاني- آذار)، معدل بطالة بلغ 46.6٪، بزيادة قدرها 2٪ مقارنة بالربع الأخير من عام 2021، حيث بلغ معدل البطالة في القطاع 44.7٪. بلغ معدل البطالة بين النساء في غزة 65.6٪ في الربع الأول من عام 2022 مقابل 61٪ في الربع السابق. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فإن نسبة سكان غزة الذين يعيشون في فقر تبلغ الآن 59٪، ويعاني 64٪ من السكان من انعدام الأمن الغذائي. في نيسان 2022، حذرت منظمة أوكسفام من أن مخزون القمح في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكن أن ينفذ في غضون أسابيع قليلة، وأن سعر القمح قد ارتفع بأكثر من 25%.
بحسب عمر أبو عمرة، صاحب مخبز “بلدنا” في دير البلح، “نحن نواجه موجة ارتفاع أسعار لم نعهدها من قبل“. في حديث مع “جيشاة–مسلك“، قال إن هناك زيادة ملحوظة في أسعار المواد الغذائية الأساسية والمواد الخام، على سبيل المثال ارتفع سعر كيس طحين القمح (50 كيلو) بمقدار 45-47 شيكل. وارتفعت أسطوانة الغاز بمقدار 15 شيكل في غضون أسبوعين. حتى المنتج الأساسي والرخيص “مثل كرتون الخميرة – ارتفع بمقدار 23 شيكل. لا أعرف ما إذا كان مخبزي سينجو من هذه الزيادة في الأسعار.” يضطر سكان غزة إلى تقليص شراء الخبز الجاهز وغيره من المنتجات، وتعود العديد من العائلات لتخبز خبزها بمفردها لتوفير المال. “لم أعد أحقق ربحًا من عملي والى جانب اقساط الإيجار والكهرباء الوضع يزداد صعوبة”
ر.، 40 عاما، من سكان غزة، أكملت دراسة الدكتوراه قبل عامين، لكن محاولاتها في العثور على عمل باءت بالفشل. تقول ر. إن البطالة تؤثر بشكل مباشر على صحتها النفسية. ومع تفاقم الوضع، يزداد الشعور بالعجز. كما يؤثر ارتفاع الأسعار عليها كأم. “كل شيء أصبح أكثر تكلفة. سعر كيلو الدجاج كان 8-9 شيكل، اليوم يصل إلى 13-14 شيكل.” تقول ر. وتضيف ” بسبب ارتفاع أسعار الغاز، انتقلت العديد من النساء في غزة إلى الطهي باستخدام غاز كهربائي “نظرًا لوجود ثماني ساعات فقط من الكهرباء في غزة، تضطر الأمهات إلى الطبخ لأطفالهن أثناء الليل“.
موجة ارتفاع غلاء الأسعار الحاليّة تقابل سكان غزّة وهم موجودون في حالة اقتصاديّة هشّة: في الربع الأول من عام 2022، معدّل الدخل الشهريّ للعاملين والعاملات في القطاع الخاص في غزة، والذين يشكلون 63% من العمال في القطاع، لا يتعدّى ال 676 شيكل.
وأشار سراج الطواشي صاحب شركة الطواشي لبيع مواد البناء وصناعة الحجر إلى تراجع كبير في الطلب على مواد البناء بسبب ارتفاع الأسعار. “البطالة مشكلة كبيرة، لا يوجد استقرار اقتصادي أو استقرار توظيفي. لا أحد يعرف كيف سيكون وضعه الشهر المقبل“.
أحمد شاهين، 33 عامًا، من سكان غزة، متزوج وأب لأربعة أطفال، يدخر لسنوات لتجديد المطبخ في منزل عائلته، ويقول إن الأموال التي وفرها لم تعد كافية اليوم لبناء مطبخ صغير. “ارتفع سعر الأسمنت بما لا يقل عن مئة شيكل، وتضاعف سعر الحديد، كما ارتفعت أسعار الحديد المستعمل المتبقي من اعادة الاعمار. حتى المسامير والمعدات الكهربائية والسباكة، كل شيء أصبح أغلى ثمناً “. أفاد بعض التجّار اللذين يعملون بإدخال البضائع إلى غزّة أن سعر طن الحديد ارتفع من 3,200 شيكل في شهر فبراير-مارس ليصل إلى 3,400 شيكل في الوقت الحاليّ. أما سعر الإسمنت فقد ارتفع في نفس الفترة من 470 شيكل إلى 530 شيكل في حين أن سعر الإسمنت الذي يدخل من المعبر المصري فقد ارتفع من 450 شيكل إلى 500 شيكل للطن الواحد.
يوضح ماهر الطباع، المدير العام للغرفة التجارية في غزة، أن الوضع الاقتصادي الصعب في قطاع غزة، والذي نشأ بسبب عقود من التقييدات التي فرضتها إسرائيل على حركة الناس والبضائع من وإلى غزة، يتأثر الآن أيضًا بـارتفاع عالمي في الاسعار في اعقاب الحرب في أوكرانيا. يربط الطباع الأزمة العالمية بالانخفاض الحالي في توفر المنتجات الأساسية داخل قطاع غزة. “يفكر كل تاجر مرتين قبل الاستمرار في استيراد البضائع إلى غزة. على عكس التجار الآخرين في جميع أنحاء العالم، يعلم التجّار من غزة أنهم يخاطرون بشكل متزايد ليس فقط بسبب الموجة الحالية لارتفاع الأسعار، ولكن أيضًا لأنهم يتعرضون باستمرار للتقييدات والحصار التعسفي الذي تفرضه اسرائيل على حركة الاشخاص والبضائع. وبحسب الطباع، فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يلعب دورًا رئيسيًا في التدهور الاقتصادي في غزة فقط، بل يمنع أيضًا مجتمع غزة من التعامل مع الأزمة العالمية. “الوضع الحالي في قطاع غزة يدفع الكثير من السكان إلى شراء الحد الأدنى من الامور التي يحتاجونها للاستهلاك اليومي“.
كما أكّد حامد جاد، الصحفي والاقتصادي من قطاع غزة، على العلاقة بين انعدام الأمن السياسي في غزة وانعدام الاستقرار الاقتصادي. على الرغم من أن إسرائيل قد خصصت مؤخرًا تصاريح لنحو 10,000 من السكان الذين يغادرون غزة للعمل في إسرائيل، فإن عدم الثبات في التعامل مع طلبات التصاريح بالإضافة إلى خوف العمال المتزايد من حصولهم على “منع أمني” يعيقهم من الذهاب إلى العمل في المستقبل، يدفع بهم لتوخّي الحذر وتقليص النفقات، الأمر الذي حدّ من التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه مثل هذه الخطوة على الاقتصاد المحلي.